مدينة البصرة القديمة مدينة البصرة القديمة
المقصود بمدينة البصرة القديمة هي تلك المدينة التي بناها العرب عند الفتح الإسلامي في عام أربعة عشر للهجرة ، الموافق لعام 635 للميلاد ، حيث كانت في بداية الأمر معسكراً للجنود وسكناً لعوائلهم ليسهل عليهم التوجه إلى الفتوحات ، بدل من أن يضطروا للعودة إلى عوائلهم في المناطق البعيدة من شبه الجزيرة ، لقد كانت أول مدينة بناها العرب أثناء الفتوحات الإسلامية ، وتم بنائها قبل الكوفة بحوالي ستة اشهر ، ثم بنيت الفسطاط بعد الكوفة إن هذه المدينة قد تم هجرها من قبل سكانها فيما بعد وتحولوا إلى مدينة البصرة الحديثة قبل حوالي الثلاثمائة عام وكما سنوضحه في فصول أخرى .
تاريخ الموقع قبل بناء المدينة :
بنيت البصرة على أنقاض معسكر للفرس في منطقة كانت تدعى الخريبة . كما وان هنالك مدينة أثرية يعتقد بعض المؤرخين انه تم بنائها في زمن نبوخذ نصر تدعى طريدون ، وادعى آخرين إنها كانت مدينة آشورية ، حيث كان لهذه المدينة سد يحميها من ارتفاع منسوب مياه البحر ، فان صح هذا فان طريدون أو تريدون تكون جنوب مدينة الزبير قرب خور الزبير في الوقت الحاضر ، بينما يعتقد الرحالة جسني إن موقع طريدون هو قرب جبل سنام والذي يبعد عن جنوب مدينة الزبير بحوالي ثلاثة عشر ميل ، فإذا كان ذلك صحيحاً فيجب أن يكون خور الزبير والذي هو امتداد للخليج العربي يمتد إلى جبل سنام أيام الدولة البابلية .
سبب التسمية :
لقد اختلف المؤرخون واللغويون بسبب تسمية المدينة بهذا الاسم ، وتقول إحدى الروايات إن العرب عندما قرروا بناء مدينة في المنطقة لتكون معسكر ثابت لجيوشهم في جنوب العراق ، تقع على حافة الصحراء وقريبة من مصادر المياه ، تم اختيارهم للمدينة والتي كانت تقع شمال مدينة الزبير الحالية ، فأعجبهم الموقع وقالوا هذه ارض بصرة ، أي ذات حصى ، فسميت بذلك ، ومما يؤيد ذلك إن المنطقة ما زالت مصدر لتجهيز الحصى اللازم للبناء في الوقت الحاضر . ويقول ابن الأعرابي وابن ألا نباري وهم من اللغويين العرب المشهورين في العصر العباسي ، البصرة هي الأرض الغليظة التي فيها حجارة صلبة قد تقطع حوافر الدواب . ويدعي محمد بن شرحبيل بن حسنة : إنما سميت البصرة لان فيها حجارة سوداء صلبة .
أما المستشرقون فقد كانت لهم بعض الآراء الأخرى ، حيث يعتقد المستشرق المعروف هاريتمان : إن هنالك مدينة قرب مدينة البصرة العربية قد بناها ألا كديون ، وهم أول العرب الساميين الذين انتقلوا من شبه الجزيرة العربية إلى العراق والذين أقاموا أول إمبراطورية في التاريخ البشري في الألف الثالث قبل الميلاد ، وكان اسم تلك المدينة تدمر أو تردم أو تردن ، وقد تحور هذا الاسم في زمن الإغريق بعد غزو الاسكندر المقدوني إلى تردون أو تريدون .
كما وان اسمها في الآرامية وكما يقول المستشرق لسترانج نقلاً عن كتاب جغرافي لابن سرابيون : كانت تدعى قبل الفتح الإسلامي بصرياتا .
أما في الكلدانية (وهي لغة القبائل السامية العربية التي أنشأت إمبراطورية بابل الحديثة في القرن السابع قبل الميلاد ) فان كلمة بصر تعني الجزر الضعيف وبصريا وبصيريي تعني الاقنية جمع قناة ، وباصرا تعني مجموعة الأكواخ ، وكل هذه الأمور يوافق الواقع ايضاً فان عملية المد والجزر كانت تصل إلى المنطقة بشكل ضعيف نظراً لكونها تقع على خور ضيق (يدعى بخور الزبير في الوقت الحاضر) ، يتصل بخور اكبر منه (يدعى خور عبد الله حالياً) ، يتصل بالخليج العربي ، كما وان هنالك بعض الاقنية والأنهار كانت تصل إليها في ذلك الزمان ، ولان المدينة اتخذت كمعسكر للجيش الفارسي وربما كانت كذلك أيام الكلدانيين قبلهم حيث إنها تقع على مفترق الطرق العالمية ، ومن المؤكد انهم استخدموا الأكواخ لسكن الجنود .
أسماء البصرة :
كان للبصرة أسماء أخرى ايضاً فمن ذلك كان تدعى بالخريبة قبل الفتح الإسلامي ، وبعد بنائها سميت بأسماء كثيرة منها أم العراق ، خزانة العرب ، عين الدنيا ، ذات الوشامين ، البصرة العظمى ، البصرة الزاهرة ، الفيحاء ، قبة العلم ، كما تدعى الرعناء وذلك لتقلب الجو فيها أثناء اليوم الواحد وخاصة في فصل الربيع ، وتجمع مع الكوفة بالمصرين ، إذ أن كل من البصرة والكوفة كانتا تعتبران اعظم أمصار العالم الإسلامي بدون منازع - قبل بناء بغداد طبعاً - كما تجمع مع الكوفة أيضا ويطلق عليهما العراقيين أو البصرتين .
المدن التي تحمل نفس الاسم :توجد هنالك مدينة في المغرب تحمل نفس الاسم وقد اختفت من الخارطة في الوقت الحاضر ولم يبق لها من وجود إلا في كتب التاريخ ، وكانت تقع على هضبة تشرف على ناحية الغرب من وادي مدا ، قرب مدينة طنجة ، والفاتحون العرب هم من بناها ، ولم يأتي هذا التشابه في الاسم بطريق الصدفة ، بل إن البصريين الذين كانوا ضمن الفاتحين والذين كانوا يتمتعوا بمقام مرموق حسب ما يبدوا ، أطلقوا ذلك الاسم على تلك المدينة الجديدة ، تيمناً ووفاءً لمدينتهم التي فارقوها ، ولا عجب في ذلك لان البصرة تفرض محبتها لا على أهلها فقط وانما على من سكنها فترة من الزمن ايضاً . وهذا يشبه ما حدث في أمريكا بعد استعمار الأوربيين لها ، فأهالي مدينة يورك الإنكليزية يطلقون اسم مدينتهم على مدينة جديدة يدعونها نيويورك أي يورك الجديدة ، وأهالي جزيرة جرسي يطلقون اسم جزيرتهم على مدينة نيوجرسي وهكذا ، حتى أصبحت المدن الجديدة من المدن العظمى بالعالم وبقيت المدن الأصلية صغيرة غير معروفة كثيراً ، ولكن هذا لم ينطبق على البصرة ، فان عظمتها لم تسمح بمن ينافسها .
أما مدينة بُصرى التاريخية فإنها تقع في بلاد الشام ، وكذلك كانت توجد قرية قرب بغداد تدعى بُصرى ويبدو أن هذه القرية قد زالت من الوجود ايضاً .
كيف تم بناء البصرة :
عندما اتخذ عتبة بن غزوان منطقة الخريبة معسكراً اخذ الخليفة يرسل العرب إلى البصر تباعاً لتسكنها ، فلما كثروا هناك بنى فيها عتبة سبعة دساكر (مفردها دسكرة) وتعني القرية الكبيرة من اللبن (الطابوق أو الطوب الغير محروق) ، ويبدو إن اكثر البيوت تم بنائها بالقصب أول الأمر ثم تحولوا إلى اللبن وذلك لسرعة احتراق القصب . وكان ذلك سنة أربع عشرة للهجرة وذلك قبل بناء الكوفة بستة اشهر . وقد تم بناء المسجد ودار الإمارة ثم بعد ذلك قام ببناء السجن وحمام الأمراء حيث تم البناء بالقصب أول الأمر ، وكان أول بيت بني فيها هو دار نافع بن الحارث ثم دار الصحابي معقل بن يسار المزني والذي أطلق اسمه على أحد أهم انهار البصرة فيما بعد وهو نهر معقل أو نهر المعقل كما يدعى اليوم ، وقد أدرك العرب إن ارض البصرة تصلح لزراعة النخيل فاكثروا من زراعة النخيل فيها حتى اشتهرت فيما بعد بأنها ارض النخيل .مدينة